هناك الكثير من الأشخاص يشعرون بعدم الانتماء إلى أسرهم يرون أنهم مجبرون على هذه العائلة ولو عاد الأمر إليهم لما اختاروا أن يكونوا في أسرهم من الأساس.
عدم الانتماء شعور صعب لأي شخص لأنه سيشعر بالغربة داخل أسرته فما الأسباب؟ وما الانتماء؟ وما معناه؟ وكيف نحقق شعور الألفة والانتماء تجاه أسرنا؟
إن مرحلة الطفولة تُعَدُّ من أهم المراحل وأكثرها تأثيرًا في حياة الفرد المستقبلية؛ إذ يتوقف عليها تحديد المعالم الرئيسية لشخصيته من خلال ما يكتسبه من خبرات وقيم واتجاهات.
والأسرة تلعب دورًا بالغ الأهمية في إعداد الفرد وتأهيله للقيام بأدواره ووظائفه داخل النسق الاجتماعي،
حيث تمثِّل الأسرة أولى المؤسسات الاجتماعية التي تحتضن الطفل منذ اللحظات الأولى لخروجه إلى الحياة وخلال كافة مراحله العمرية التالية.
يرى علماء النفس أن الأسرة تقوم بمجموعة من الوظائف الأساسية، مثل الوظيفة النفسية كالحب والشعور والانتماء، والوظيفة الاقتصادية، ثم وظيفة التطبيع الاجتماعي، إلا أن وظيفة الأسرة التربوية، وخاصة فيما يتعلق بعمليات التطبيع الاجتماعي والتنشئة الاجتماعية، ومنح الشعور بالحب والانتماء لا تزال هي الوظيفة الأساسية التي لا يمكن لأي مؤسسة أخرى للقيام بها، خاصة بالنسبة للسنوات الأولى في عمر الطفولة، والتي لا تتجاوز فيها دنيا الطفل حدود أسرته، والتي هي من وجهة نظر المتخصصين تُعَدُّ الفترة الخصبة الأساسية في نقل قيم المجتمع إلى الطفل، وتأصيل العمليات الخاصة بالتطبيع الاجتماعي والتي يصبح الفرد عن طريقها مستدمجًا للأدوار والاتجاهات والقيم والمهارات التي تشكل شخصيته.
ومن أهم عمليات التطبيع الاجتماعي والتي تقوم بها الأسرة تأصيل الانتماء، والتي تعني أن الفرد من طفولته المبكرة يحيا في ظلِّ مجموعة من القيم والأفكار والمبادئ التي تترسَّب في وجدانه، حتى تتحول لديه إلى وجود غير محسوس، ومن خلال ذلك يصبح الفرد منتميًا إلى المكان، وإلى الأسرة، وإلى الجماعة، وإلى المجتمع والوطن.
وتعتبر الحاجة للانتماء من الحاجات المهمة التي تُشعِر الفرد بأنه جزء من جماعة معينة، سواء كانت هذه الجماعة (الأسرة - الرفاق - جماعة مهنية)، وأنه جزء من وطن معين، ويُولَد هذا الشعور الاعتزاز والفخر بانتماء الفرد لهذه الجماعة، ويُعَدُّ إشباع حاجات طفل ما قبل المدرسة وتقبله لذاته وشعوره بالرضا والارتياح أولى مؤشرات انتمائه للجماعة.
فالحاجة للانتماء من أهم الحاجات التي يجب أن تحرص الأسرة على إشباعها لدى الطفل لما يترتب عليها من سلوكيات مرغوبة يجب أن يسلكها الطفل منذ صغره وحتى بقية مراحل عمره، أما فقدان الانتماء فيعتبر من أخطر ما يهدِّد حياة أي مجتمع، وينشر الأنانية والسلبية، وفي المقابل يؤدي الانتماء إلى التعاون مع الغير، والوفاء للوطن والولاء له.
ويرتبط بالانتماء بعض القيم، مثل: العطاء، والتضحية، والتعاون مع الآخرين، وهذا يلقي على الأسرة مسؤولية كبرى نحو التركيز على إظهار مواقف تاريخية تبيِّن بطولة قادة والزعماء في الدفاع عنه. وفي تقدير هؤلاء الأطفال لأنفسهم، وبشكل عام فإن للعلاقات الأسرية أثرًا إيجابيًّا في تكوين الشعور بالأمن وتطور مفهوم الذات الإيجابي عند الطفل. وحيث إن نسق الأسرة - مثله في ذلك - مثل سائر الأنساق الأخرى يكون رهنًا للظروف والمتغيرات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية، فإنه بالتالي يكون عرضة للتأثر بعمليات التغير والأحداث التي تطرأ على المجتمع، مثل الحروب، وقد أشارت الكثير من الدراسات إلى أن الحرمان ومعايشة خبرات الحرب تترك آثارًا نفسية على الأطفال لا تزول بانتهاء الحرب، بل تظلُّ كامنة وتتراكم لتفرز كثيرًا ردود الأطفال غير السوية.
حيث إن مفهوم الطفل عن ذاته يكتسبه في مراحل النمو الأولى، حيث تلعب الانفعالات مع الأشخاص المهمين في حياته خصوصًا والديه، دورًا كبيرًا في ذلك ويتأثر مفهوم الذات إلى حدٍّ كبير بالعلاقات الأسرية القائمة بين الطفل ووالديه، فالفروق في الأجواء الأسرية وطرق التنشئة تحدث فروقًا بين الأطفال في مكونات الشخصية، وفي تقدير هؤلاء الأطفال لأنفسهم، وبشكل عام فإن للعلاقات الأسرية أثرًا إيجابيًّا في تكوين الشعور بالأمن، وتطور مفهوم الذات الإيجابي عند الطفل .
شعورنا بالانتماء إلى أسرنا هو أن نعتبر أنفسنا غصناً من شجرة كبيرة، نشعر بأهلنا ومتاعبهم، نشاركهم أحزانهم وأفراحهم، لا نشعر كأننا غرباء وان أسرنا مفروضة علينا فرضاً. كم من شخص في كل أسرة يشعر بالنقمة والسخط من عائلته ومن وضعه ويتمنى لو انه ولد عند أناس آخرين ضاربا عرض الحائط كل التضحيات التي تقوم بها أسرته تجاهه فما سبب شعوره هذا ؟ وكيف يتحقق الانتماء داخل الأسرة؟
الانتماء الأسري يبدأ من الطفولة. فهذا الشعور يتولد من إشباع حاجة الطفل إلى القبول داخل بيئته، فالمطلوب من الأسرة قبول الابن دون ربط هذا القبول بإنجازات معينة يقوم بها الطفل.. فلو تعلم الطفل أن يقبل إذا أحسن، و يرفض إذا أخطأ سينشأ مذبذباً ضعيف الشخصية، ضعيف التقدير الذاتي..
إن قبول الطفل يعني انتماءه لأسرة يشكل أحد أعضائها.. مما يسهل على الطفل فيما بعد الانخراط في مجموعات اجتماعية أخرى. وبالمقابل يكون الطفل الذي يشعر بعدم قبول الأسرة له، أقرب إلى الارتياح و الرفض و الشعور بالوحدة..
العمل المشترك والعمل الجماعي داخل الأسرة الواحدة يبني الشعور بالتقارب الحميم لدى أفراد و أعضاء الأسرة، وهذا يعزز بالمقابل شعورهم بالانتماء، ومما يزيد هذا التماسك الأسري والشعور بالانتماء لدى الأبناء كون الأسرة مجالاً و فضاءً للعديد من الأنشطة مثل :
- التخطيط المستمر لأنشطة جماعية داخل الأسرة بعيداً عن روتين الحياة اليومية.
- قضاء فترات خارج البيت من مثل النزهات الأسبوعية أو الأجازات السنوية من صلة رحم أو استجمام في البر أو الجبل أو على البحر..
- المشاركة الجماعية في الأنشطة الهادفة مثل المخيمات وغيرها.
- ممارسة الرياضة و الألعاب.
- القراءة المشتركة الهادفة.
- الجلوس ولو 20 دقيقة يومياً لمناقشة أحوال الأسرة وخططها المستقبلية ومشاكلها.
- التعاون بين أعضاء الأسرة في أداء احتياجات البيت والواجبات المدرسية.
- تعليم الابن كيف يكون عضواً في مجموعة : القيادة، الأهداف المشتركة، التخطيط الجماعي، المنافسة، الطموح، حب التميز، الرغبة في الانتصار و التميز، المثابرة والصبر، التعاون مع الآخر من أجل هدف مشترك، العمل الجماعي.
تعليقات: 0
إرسال تعليق